انتقدتُ الخروج المتأخر للسيد محمد البرادعي من حكومة ما بعد 30 يونيو.. واعتبرتُ ان فاجعة استخدام القوة المفرطة القاتلة للمرة الأولى (قبل رابعة) كان من شأنها تنبيهه انه يُبحر في قارب ليس بقاربه.
وللأمانة، فقد قدم السيد البرادعي نموذجاً غير مُشجع أبداً فيما يتعلق بمهارات إدارته السياسية للأزمات، أو برمجة الفرص المتاحة في البيئة السياسية والاجتماعية المحُيطة إلى مكاسب لمن يُمثلهم. وكانت الفرضية تقوم على ان هؤلاء (أي من يُمثلهم) هم قطاعٌ عريض، لكي نتجنب استخدام فكرة “التيار” غير الموجود أصلاً. وكان تردده القاتل، والذي أفضى به إلى عدم خوض انتخابات الرئاسة بعد سقوط مبارك، مبعثاً للدلالة على قلة جلده وقابليته للانكسار.
وهو من جانب آخر، قدم نموذجاً، قل (أو ندر) وجوده في المشهد السياسي العربي: نموذج النزاهة والشفافية. ليس شجاعاً في المعترك السياسي، لكنه نظيف. لا يُجيد المناورة والتكتيك، لكن قواعد اللعب واضحةٌ بالنسبة له، وان كان لم يُبصرها جيداً على ما يبدو في مشهد انبعاث المؤسسة العسكرية مجدداً إلى سُدة الحكم.. يبدو انه يراها الآن بشكل واضح مما سيكون منفاه الاختياري في فيينا، منذ الآن فصاعداً..
وقدم نموذجاً على ان الضمير مكونٌ أساسي في شخصية سياسي غير محترف.. ولذلك، فمغادرته موقعه في الحكم يراها أنصار الوضع القائم باعتبارها خيانةً.. ويراها أنصار الإخوان المسلمين “جُبناً”.. والمسألة حسابياً أبسط: لا يمكن لأعزل ان يخوض معركةً مسلحةً من دون افتراض القتل السهل والمُريح.. وهو هنا يُغادر ساحة المعركة بكل شرعية ووقار: لا يُريدُ الانتحار.. وفي الناحية الأخرى؛ لا يُمكنُ تخوينهُ في الوقت الذي كانت أمانتهُ هي أرواحُ البشر، وهو بذلك متسقٌ مع نفسه. الضمير.