ان شئت تسميتها بالمعركة، فأنت حر.. لكن ما لا تدركهُ هو شيءٌ جوهري؛ وهو ان القوى الكبرى التي زحفت ببطء باتجاه نصف موقف بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، لم تنجز ربع موقف بشأن الخسارة الموجعة لما فاق مائة ألف حياة بشرية راح معظمها نتيجة لجرائم ارتكبها نظام بشار الأسد الحاكم في سوريا. وهذه القوى، وإن بدت الآن صارمةً وحازمةً؛ فهي في الوقائع المُثبتة تخوض معركة علاقات عامة وتبييض للوجه، وربما ليس أمام الشعب السوري أو شعوب المنطقة، بل أمام شعوبها والمؤسسات التي تُمثلُ هذه الشعوب في بلدانها.
جوهر الموقف الحالي يستند لجزئية “تعاهدية” قطعتها الدول الغربية على أنفسها، وهو ما اسمته في مرحلة ما بـ “الخط الأحمر” والذي اجتازهُ أحدٌ ما في سوريا باستخدام الأسلحة الكيمياوية. وهو خطٌ رفيع، إذ ان هذه الدول لم ترسم أبداً خارطة تحرك في حال اجتياز هذا الخط. وهو خطٌ وهميٌ كذلك، إذ انه لا يقع في أي برامج مُعلنة لهذه الحكومات- أي ببساطة، وجوده من عدمه واحد.
وفي باب الوقائع المُثبتة، ليست ولن تكون أيُ ضربة توجهها الادارة الأميركية وحلفاؤها لنظام الأسد ضربة “إسقاطه” أو “الإجهاز” على نظامه. آخرُ ما توارد من البيت الأبيض يوم 27 أغسطس ان المسألة “عقابٌ على استخدام الكيماوي”. وهي أيضاً ليست “تدخلاً إنسانياً” على غرار التدخل في حرب البلقان عقب فظائع القوات الصربية في البوسنة- حسم ذلك تصريحات الناطق باسم البيت الأبيض حين أكد ان النزاع في سوريا “ليس له حلٌ عسكري”.
الناس تريدُ إجابةً على: من استخدم الكيماوي في غوطة دمشق؟ النظام؟ وعلى تقويمه موعدٌ لزيارة فرق التفتيش الدولية؟ أم المعارضة، في الوقت الذي لم يعد هناك فيه أيُ قيمة أدبية لتوصيف ماهيتها؟ الاجابة الوحيدة المتوفرة الآن: إسُتخدم الكيماوي بما لا يرقى للشك. وحقيقة ان الدولة في سوريا ما زالت قائمةً، لا يتركُ أي مناص من تحملها للمسؤولية في كل الأحوال. الاعتداد بعكس ذلك يعني أولاً الاعتراف بانفراط عقد الدولة، وثانياً ترك الآليات الدولية لتقعل مفاعيلها في التحقيق وكشف هذه الجرائم (وهو ما يجب ان يحصل كذلك حتى لو كانت الدولة قائمةً).
أخيراً؛ المباديء لم تعد عنوان القرن الراهن، وذلك ليس فقط شأناً غربياً بل أيضاً عربياً، وبامتياز. وهذا من شأنه فقط ان يُفسر كيف ان تأييد ضربة ضد الأسد ممكنٌ في وقت يقوم ذات المؤيدون بتأييد حماسي لانتهاكات واسعة النطاق في كل أرجاء العالم العربي. أو العكس، رفضٌ مطلقٌ لمُساءلة الأسد عن جرائمه في وقت يقومُ فيه الرافضون بالصراخ عبر الكون بضرورة محاسبة منتهكي الحقوق في دول الخليج أو حتى تركيا.