Arabic

كيف تُميزُ الغث من السمين؟ مدافعي حقوق الانسان من غيرهم؟ حديثٌ قصير


الانسجام ليس يافطةً تُعلقُ على مدخل منزل ناشط أو مبنى منظمة غير حكومية (ومنها ما هو حكوميٌ بصيغة تآمرية). الانسجام يعني ان لدى هذا أو ذاك، هاته أو تلك، تفسيرٌ يقوم على محاور جوهرية ثابتة، دائماً وفي كل الظروف، وأحياناً في وجه موجة من الاحتقانات، والانفجارات، المجتمعية والسياسية. ان فسر، مثلاً، حادثةً ما باعتبارها ‘انتهاكاً لحق إنساني’ فهو مُلزمٌ بتفسير حادثة اُخرى تنطوي على نفس الظروف والمواصفات والعوامل، بدأت الطريقة. وان اختلف تفسيره، وان اعتبر الأول انتهاكاً والثانية غير ذلك، فهناك خللٌ، وخللٌ جسيم، مردهُ ليس مجمل المبادئ والمعايير التي تقوم عليها حقوق الانسان (والتي ليست بالمناسبة منظومةً شعرية أو أخلاقية؛ بل تدخل في صلب القانون وتجعل من الحق التزاماً قانونياً ودستورياً).


ولدينا في السنوات الثلاث الماضية دراسات حالة ذات معنىً حاسم.


سجل مثال الحراك في البحرين (تحرك جماهيري واسع للمطالبة بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية) مثالاً حاسماً على هزيمة منطق الانسجام الحقوقي في أوساط واسعة في الخليج العربي. ففي الوقت الذي يلقى فيه نشطاء خليجيون الويلات من حكوماتهم في مجال التعبير والتجمع وحرية تكوين الجمعيات والتنظيمات، ومن ضمن هذه الويلات الحبس التعسفي ومن دون محاكمة وسند؛ فإن البيئة الحاضنة لدعم ومساندة هؤلاء (وأحياناً هم أنفسهم) لا تجد في ذات الممارسات في البحرين ذات الانتهاك أو الانتقاص من الحرية. ان هذه البيئة ورموزها الاجتماعية تنام قريرة العين (وبعين واحدة في معظم الأحيان) على وسادة الفكرة القائلة بأن حق الآخرين هو جريمةٌ ضدي. وتلك فكرة عبثية تقوم أساساً على مبدأ التجزئة والاختزال.


كما وسجل مثال سوريا أبرز التعارضات في منطق الانسجام ‘العروبي’ ان شئتم حول ما هو حقٌ. كل التيارات السياسية والاجتماعية بلا استثناء، هزمت هذا المنطق باستخدام مجموعات عدة من المنطق. ففي المرحلة الأولى من المأساة السورية، لم يجرؤ أي تيار سياسي أو حتى دكاكين حقوق الانسان الدائرة في فلك فكرة ‘العروبة’ على الدفاع عن ان ما تقوم به حكومة بشار الأسد هو حق. وكان سهلاً بالتالي ان تقوم موجة واسعة من الاستنكار لافغال حكومة الأسد القمعية. أما المرحلة الثانية، فقد شهدت بروزاً لتيار داعم للأسد حجته الأساسية قيام المجموعات المعارضة المسلحة بارتكاب انتهاكات (بعضها جسيم). وفي هذه المرحلة ارتكب منظرو الجانبين جرائم جسيمة فيما يتعلق باستخدام كلمة ‘حقوق انسان’ واغرقوا في تجزئة ليست عبثية، بل كيدية عن سبق إصرار وترصد. مثلاً، جرائم الأسد تغيب تماماً عن خطاب المدافعين عن حقوق البشر الذين استهدفتهم مجموعات المعارضة، وتغيبُ من زاوية محاولة محوها وليس طمسها فقط. وفي مقابل ذلك، لن تجد سوف القلةُ القليلة من الحقوقيين الذين يزعمون توثيق انتهاكات الأسد، تسعى لتوثيق انتهاكات المُعارضة. وحديثنا هنا محصورٌ في السياق العربي فقط. والصيغة الدارجة غالباً ان أي جهة قدمت نفسها كمحايدة في مجال توثيق انتهاكات حقوق الانسان، وثقت شكلياً وللتضليل جرائم الطرف الذي تُحبُ وتنتمي اليه. والمرحلة الأخيرة، الحالية، هي المرحلة التي خرج فيها الجميع من أي ثوب ارتدوه سابقاً وظهروا علناً بجلدهم السياسي والإيديولوجي. ولعل احتمالات توجيه ضربة لسوريا من قبل الادارة الأميركية قد جعل من ذلك سريعاً. سواءً كان ذلك في معارضة أو تأييد الضربة أو التدخل العسكري.


في ملخص ذلك، الفعل الحقوقي العربي فيما يتعلق بـ سوريا مُضر وهدام وكاذب وخطيرٌ إلى درجة ضرورة محاربته. والحجة التي يتحمل الحقوقيون عبء إبرازها تتمحور بشكل رئيس حول مصداقية أنشطة التوثيق ومنهجيته. معظمها ليس لديه ذلك.


والمثال الأخير هنا اختصر كل الأمثلة في مصر. وتناوله عبثيٌ كذلك على نحو ما. لكن عموماً، ان تكون مدافعاً عن حقوق الانسان يعني:
– ان تدافع عنها دائماً تحت أي نظام حكم (أعجبك أم لم يعجبك)
– إذا كنت مع الحق في التظاهر السلمي فأنت معه دائماً وليس فقط حين تستخدمه مجاميع البشر التي تميلُ إلى مشروعها السياسي والاجتماعي أو طريقتها في الحياة.
– إذا كنت مدافعاً عن حق الانسان، فحقهُ الأسمى هو ان يُحافظ على حقه في الحياة. القتلُ هو القتل والجريمة هي الجريمة. ان ابتدأت في التأتأة فتلك مشكلة. وان بررت القتل انت خارج فكرة الحق.
– ان كنت مع الحق في الاختيار، فاترك، وأعمل على تعزيز حق الناس في الاختيار، ولا تجعل نفسك مدخلاً لمصادرة هذا الحق.


أخيراً، المجتمعات العربية كبيرة، وأنت لست مضطراً للعمل في مجال حقوق الانسان ان كنت فعلاً ضدها. تغيير المهنة لن يضرك أبداً