أظهرت دراسة تحليلية حديثة نشرها معهد بروكينغز في مارس/آذار 2015، أن عدد حسابات تويتر التي يملكها أعضاء المجموعة الإرهابية المعروفة باسم تنظيم الدولة الإسلامية أو “داعش” لا يقل عن 46،000 حساباً على الأقل. وحملت الدراسة عنوان احصاء نشاط داعش على تويتر: تعريف وتحديد مجتمع أنصار داعش على تويتر (ترجمة غير رسمية لعنوان الدراسة). وقام معدا هذه الدراسة بإجراء تحليل منهجي لنشاط المجموعة على منصة الاعلام الاجتماعي تويتر، في الفترة من سبتمبر/أيلول حتى ديسمبر/كانون أول من العام 2014، مع الإشارة إلى أن الحسابات المشمولة بالدراسة لم تكمن جميعاً نشطة في ذات الوقت. وفي حين تقدم الدراسة مورداً فريداً من نوعه، وعلى الأرجح غير مسبوق، في سياق دراسة استخدام وسائل الاعلام الاجتماعي، وخاصة تويتر، من قبل هذه المجموعة الإرهابية؛ إلا أنها تضع تحت المجهر كذلك قضيتين أساسيتين، لم تشملهما الرداسة ولم تكونا موضع تركيزها، بادئ ذي بدء.
وقد يكون من الصعب، بحسب مقتضيات بعض مراحل التحليل العلمي، وضع تعريف حاسم لما يعنيه مصطلح “أنصار داعش” أو “داعموها”. وفي سياق البحث لتحديد تعريف في غاية الوضوح، فمن المحتمل أن يقود عديد الافتراضات إلى اللجوء الى تصنيف هؤلاء الداعمين أو الأنصار، بحسب مستويات الدعم ووزن الدعم المفترض. ومن ضمن ذلك، على سبيل المثال، قد يكون من الممكن وصف أنصار التنظيم باعتبارهم أعضاءً يعملون في مواقع جغرافية متباعدة، في وقت كانت دراسة برروكينجز تعرف هؤلاء الأعضاء (في سياق وصف حسابات التنظيم على تويتر) باعتبارهم مشاركون في “نشر النشرات، وأشرطة الفيديو والصور من مختلف المناطق”. (انظر الصفحة 23 حول “الحسابات الرسمية”). إلا أن فكرة “العضوية” ليست بالضرورة مصطلحاً شاملاً يفي بغرض توضيح ما الذي يعنيه أن يكون أحدهم “مؤيداً” لـ داعش.
وفي الواقع العملي، وفيما إذا كانت داعش تعتمد على 46،000 من حسابات تويتر لنشر خطابها القائم على الارهاب والترويع، أم لا- فذلك لا يعني على الإطلاق أن مثل هذه الرسالة تتطلب وجود اطار من العضوية الملتزمة والقائمة على الانضباط لبث مضامين ومحتويات الخطاب. ومن الواضح بأن خطاب المجموعة الإرهابية ازدهر ونمى على مدار العامين الماضيين بالإفادة من مصدر هائل وثري بالدعم مما من شأنه أن يتجاوز بمراحل مفهوم “الاستقطاب” أو “التجنيد”. ووجد خطاب داعش أرضية استجابة واسعة بين مجتمع واسع جداً، يتعدى مجرد آلاف من الحسابات، يوفد الدعم المعنوي و “الأخلاقي” (وبما يمكن أن نسميه الدعم غير المباشر وغير المادي) في أوساط المجتمعات العربية والإسلامية ذات الغالبية السُنية.
وبالرغم من أن الدراسة بروكينغز حددت أكبر الجيوب الجغرافية التي ظهر من خلالها أن مستخدمو تويتر من أعضاء التنظيم قاموا بتفعيل خاصية الموقع الجغرافي في مُعرف حساباتهم (28 بالمائة) في العراق وسوريا، معظمهم في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم (انظر الصفحة 11)، فقد وجدت أيضاً أن الموقع الجغرافي التالي والأكثر ظهوراً كان المملكة العربية السعودية، (27٪ من الحسابات التي أظهرت خاصية الموقع((أنظر صفحة 11). كما لجأ معدا الدراسة أيضا إلى توظيف استراتيجيات منهجية لـ “استنتاج موقع” هذه الحسابات.ومرة أخرى، كان الموقع الجغرافي الأكثر ظهوراً هو المملكة العربية السعودية بما يُعادل 866 من حسابات تويتر (أنظر الشكل في صفحة 12).
ومن شأن ذلك أن يعيدنا الى مشكلة تعريف من هم مؤيدو داعش؟ ويبدو أن الحاضنة التي ابتاع منها التنظيم دعماً معنوياً مجانياً يطغى عليها حضور [مستخدمي تويتر] في السعودية بشكل أساسي. ولم يظهر هؤلاء غالباً كوحدات تحليلية في سياق دراسة في بروكينجز كونهم لا يضعون ما من شأنه أن يدل على دعمهم لـ داعش في مُعرفات الحسابات، ولا يُقدمون أنفسهم كمقربين أو على صلة مع المجموعة الارهابية- إلا أنهم يشاركونها تقريباً في بث ذات الخطاب القائم على: التحريض.
ومسألة التحريض هي القضية الثانية التي أسهمت هذه الدراسة في اثارة التفكير حولها. وقد تم تسجيل أنواع خطيرة من التحريض وعلى أسس مستمرة من مثل التحريض ضد الشيعة في السعودية، وضد المعارضين السياسيين، وضد الليبراليين، وضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وضد أولئك الذين يُزعم بأنهم أهانوا الإسلام والتحريض دائماً ضد المعارضة والاختلاف المخالفين بالرأي. ونحن بحاجة أيضا إلى تحري الوضوح في الحديث عن نطاق التحريض هنا، وأنه ليس قائماً على الدعوة على “فرك آذان” الأفراد (أو المجتمعات) المستهدفين؛ بل إنه في الأساس خطاب يدعو للقتل، والسحل وتنفيذ الاعدام خارج إطار أي قانون مدني أو جنائي. وأوصل خطاب التحريض هذا ما أصبح معروفاً إلى حد كبير في السنوات القليلة الماضية بـ “موجة الحرب الطائفية” إلى مستويات حرجة، بلغت ذروتها في السنة الثانية والثالثة للانتفاضة في سوريا مع وصول جماعات متطرفة مثل جبهة النصرة الى ميدان القتال في سوريا. وقام العديد من الدُعاة السُنة البارزين، ومعظمهم في السعودية، بتوظيف حسابات تويتر الخاصة بهم لدعم للقتال ضد نظام الأسد- إلا أن هذا الدعم اتخذ إطاراً طائفياً. وبموجب هذا الإطار، كان المستهدفون هم “الروافض” أو “الخوارج” – في اشارة الى الشيعة. تحت هذا الإطار، لا يوجد أي تمييز بين المقاتلين والمدنيين ومهما كانت جرائم نظام الأسد واضحة، فإن التحريض على ارتكاب جرائم في مواجهة جرائم الأسد، من قبل جبهة النصرة والجماعات المتطرفة، وفي وقت لاحق تنظيم داعش، كان جلياً وواضحاً.
التحريض مسألةٌ في غاية الخطورة. وأكثر خطورة حين يتوجه بالدعوة الى قتل وإزهاق أرواح الأفراد والمجتمعات مجتمعين. ومن فهم أو تفهم كيف يلجأ نظام الحكم في السعودية الى اعتقال عشرات من الناس، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمعارضين السياسيين والناشطين لمجرد تعبيرهم عن آرائهم، بينما يتسامح ويرعى بشكل مؤسسي خطاب التحريض داخل أروقة نظام الحكم. ملاحظة الفرق بين حرية التعبير والتحريض سهل جداً، وإن كانت بيئة اللا-قانون في السعودية، في كلتا الحالتين، لا تساعد اطلاقاً.