Arabic وجهٌ وإسم

لا ينبغي لمحامي حقوق الانسان وليد أبو الخير أن يكون غصناً ذابلاً في ربيع السعودية الضائع

نشرت مجلة التايم الأميركية نقريراً في 12 يوليو/تموز 2012 تقريراً قصة بعنوان “في السعودية، ناقدو الحكومة على قيد الحياة وعلى ما يرام، ولكن على الانترنت فقط أو في السر”. ويُظهر الفيديو الذي رافق التقرير المحامي الحقوقي السعودي، وليد أبو الخير (في الثانية 43) قائلا “في كل يوم أقول لنفسي أنهم سيقومون باعتقالي”. وفي 15 أبريل/نيسان، 2014 كان وليد في طريقه للمثول أمام محكمة جنائية في الرياض، بعد أن كانت محكمة في جدة قد حكمت عليه في أكتوبر 2013 بالسجن ثلاث أشهر؛ من دون أن تقوم بتنفيذ الحكم منذ ذلك الحين


وكان من المفترض أن تكون تلك الجلسة الخامسة التي يمثل فيها وليد أمام المحكمة الجنائية المتخصصة في قضايا الإرهاب في الرياض. وتمحورت التهم الموجهة إليه حول “ازدراء القضاء”، “التواصل مع جهات أجنبية”، ” المشاركة في الإعلام لتشويه سمعة البلاد”، وأخيرا “التحريض ضد نظام البلاد”.


كيف ولماذا ينبغي النظر الى تهم “تتعلق بالإرهاب”باعتبارها “لغزاً” في بلد لم يقم أبداً بتعريف ماهية القانون؛ فمن الجائز القول بأنه ربما ليس من المستغرب أبداً أن يجري ذلك في بيئة تخلو من أي مظهر من مظاهر التسامح مع النقد والانتقاد والاعتراض.


في ذلك اليوم، توقف هاتف وليد الخلوي عن الرد على المكالمات الواردة، ولم يعرف أحدٌ فيما إذا أُلقي القبض عليه بسبب التهم التي مثل أمام المحكمة بسببها، أم بسبب أي قضايا أخرى. وفي اليوم التالي، توجهت زوجته سمر بدوي من جدة إلى الرياض حيث أبلغتها المحكمة أن وليد قيد الاعتقال وقد تم نقله إلى سجن الحائر. ولم يسمح لها بالاتصال به أو التحدث معه عند وصولها إلى السجن في محاولة للقائه.


تلقى وليد حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً، منها عشر سنوات نافذة وخمس مع وقف التنفيذ، ومنعه من السفر 15 عامًا، وغرامة مالية قدرها 200 ألف ريال سعودي (حوالي 53329 دولار أمريكي). وعادت محكمة الاستئناف في وقت لاحق وزادت من الحكم بسنوات سجن وليد الى 15 عاما سجناً نافذاً من دون وقف تنفيذ لأنه رفض “الاعتذار عن أفعاله”.

وهنا، فإن بعض “الأفعال” التي كان على صلة بها تشمل اللقاءات التي اعتاد أن يعقدها في منزله بـ جدة كل يوم ثلاثاء لمناقشة القضايا الحقوقية والسياسية، ومن ضمن تلك اللقاءات، ذلك الذي قامت مجلة التايم بتصويره ضمن التقرير المشار اليه أعلاه. وفي الفيديو قد تلمح شاباً يرتدي تي شيرت عليه صورة تشي غيفارا، إلا أن ما يجب ألا يتم تفويت ملاحظته هو روح النقاش التي سادت المشاركين في اللقاء، ومستوى الذكاء، والحرص العميق على حالة المجتمع والرغبة العارمة في إبداء الرأي والمشاركة فيما يجري من حولهم. ويجلس بجانب وليد في هذا الفيديو زوجته سمر بدوي، والتي، على غرار نموذج المرأة السعودية المعاصر، لم تعد تقبل الجلوس في زاوية مظلمة من المنزل من غير أن تكون قادرة على المشاركة في النقاش مع الآخرين أو حتى الاستماع إلى ما يقولونه.

وليد أبو الخير في واحدة من الصالونات الأسبوعية التي استضافها في منزل في جدة في 2012
وليد أبو الخير في واحدة من الصالونات الأسبوعية التي استضافها في منزل في جدة في 2012


لكن هذه اللحظات الواعدة بالحرية تلاشت تماماً في السعودية، وإن كان من الواضح أنها انبعثت على ايقاع مُلهم بثه الحراك الشعبي العارم والثورات و الانتفاضات في البلدان عربية المجاورة، بغض النظر عن ما آل اليه الحال في هذه البلدان الآن.


ويأتي اعتقال وليد أبو الخير في سياق العديد من الاعتقالات التي استهدفت المدافعين الحقوقيين البارزين في المملكة، بما في ذلك أولئك الذين قاموا بتأسيس منظمات غير حكومية، والذين واجهوا بالنقد الحاد الممارسات التعسفية والقمعية في البلاد. وكان هو نفسه قد تولى الدفاع وتوكل للدفاع عن عدد من قضايا المعتقلين السياسيين في المملكة. وبصفته محامياً، توكل عن أحد المتهمين في القضية المعروفة باسم إصلاحيي جدة في 2007. وقام برفع دعوى ضد إدارة المباحث العامة في عام 2009 لقيام الأخيرة باحتجاز موكله عبد الرحمن الشميري دون اتهام.


وهناك محطتين بارزتين في مسيرة المدافع عن حقوق الإنسان وليد أبو الخير في السعودية. أحدها قيامه بدور بارز في تأسيس مرصد حقوق الإنسان في السعودية في عام 2008، والتوكل والترافع عن مؤسس الشبكة الليبرالية في السعودية، رائف بدوي الذي وجهت إليه تهمة إهانة الإسلام.


حين قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بمراجعة لائحة الاتهام ضد وليد، تبين لها أنها لا تكاد يحتوي على أي بينات تذكر باستثناء مقتطفات من تصريحات له لعدد من وسائل الإعلام المختلفة بالإضافة إلى الاستشهاد ببضع تغريدات من حسابه على تويتر. و قالت المنظمة حينها “إن هذا الحكم المشين على وليد أبو الخير يدلل على المدى الذي يمكن للسعودية الذهاب إليه لإسكات من يمتلكون شجاعة الدفاع عن حقوق الإنسان والسعي في الإصلاح السياسي”. وقالت منظمة العفو الدولية في ذات السياق “من الواضح أن السلطات في السعودية تعمد إلى معاقبة وليد أبو الخير على عمله في مجال حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها ويُعد وليد أحد سجناء الرأي الذين ينبغي الإفراج عنهم فورا ودون شروط”.
وبدا أنه لم يكن كافياً لسلطات السعودية حرمان وليد من الحرية ومصادرة 15 عاماً من عمره في السجن من أجل لا شيء، باستثناء التصرف على سجيته البشرية بانسجام والانتقاد علناً. في 11 أغسطس/آب حسبما ذكرت منظمة فرونت لاين ديفندرز ومقرها دبلن بأنه تم نقل وليد من سجن جدة إلى سجن الملز في الرياض وأنه قد تعرض للضرب والجر على الأرض. سحلوه بكل بساطة في إظهر للمدى الذي من الممكن أن تذهب باتجاهه السلطات السعودية في سوء معاملة أولئك الذين يتجرؤون على التحدث والنقد.


حساب وليد على تويتر لا يزال نشطاً، وبينما يقوم بإدارته الأصدقاء والمناصرون، فإنه لا يزال يبث ذات التغريدات كان سيكتبها هو نفسه لو كان طليقاً: الحديث نقداً عما يبدو دورة لا نهاية لها من التعسف وسوء المعاملة والظلم والتمييز في السعودية. ومع ذلك، فإن الكثير من الناس يفتقدونه، وعلى الأخص طفلته جود المولودة حديثاً. ولدت جود أبو الخير بعد أن تم القاء القبض عليه. في يونيو /حزيران من هذا العام، سيبلغ وليد من العمر 36 عاماً وسوف تكون جود أقل من سنة من العمر. وإذا قضى وليد حكم السجن لمدة 15 عاما، فسيبلغ من العمر نحو 51 عاما عند خروجه وستكون جود في عامها السادس عشر.

لا ينبغي لوليد أن يكون غصناً ذابلاً في بيئة كانت تنتظر احتضان وعود الربيع. وفي هذه البيئة التي لا تعرف قانوناً فإن حرية وليد تُعادل الحفاظ على آمال الملايين من الشباب السعودي، ذكوراً واناثاً، بأنه، وفي يوم من الأيام، سيكون الحديث بحرية ممكناً وآمناً- على أمل أن يكون ذلك قريباً.