Arabic تـعـلـيـق

الأول من أبريل ليس "كذبة نيسان" بل يوم فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية


يوم بعد غد، يشهد الأول من أبريل/نيسان انقضاء مدة ستون يوماً من لحظة إيداع فلسطين لطلب انضمامها للمحكمة الجنائية الدولية، والتي تصبح بعدها عضواً في هذ المحكمة. وأشرتُ في مقال صدر باللغة الإنجليزية على هذا الموقع قبل أقل من أسبوعين، الى حالة ملف طلب الانضمام و حالة “الجهوزية” على صعيد القيادة الفلسطينية ومؤسساتها للتعامل مع الملف في مراحل بعد الانضمام.


وبحسب ما نشرته عدد من وسائل الإعلام العالمية والمحلية، فيتوجه وزير الخارجية الفلسطيني الى لاهاي لحضور مراسم الإعلان عن قبول فلسطين عضواً في المحكمة. ومن دون تناول طبيعة الأجواء الاحتفالية التي ستعقب هذا الإعلان، فمن المقلق إلى حد ما النظر في ماهية التصريحات ظهرت في تقرير صحافي أعده المراسل الصحافي الفلسطيني فادي أبو سعدى، ونشرته القدس العربي في عددها الصادة في 29 مارس/آذار، وفيه نُسب الى القيادي الفلسطيني نبيل شعث، أن “المدعي العام للمحكمة الجنائية فتح تحقيقاً من تلقاء نفسه فيما حدث خلال العدوان على غزة”، ومدعى القلق هو في الواقع ليس حقيقة أن المدعي العام للمحكمة الجنائية قد فام بفتح تحقيق أم لا، لكن المشكلة التي لا زلت أرى أنها قائمة، هي تسطيح وتبسيط وتفسير طرائق عمل المحكمة باختصار محفوف بالمغالطات؛ لأن ذلك من شأنه التسبب بكارثتين:


الأولى، هو أن عدم الفهم الدقيق، والاجرائي، والمعمق، والقائم على ادراك مكانة التفاصيل، والوظائف المحددة، والآليات التي تضطلع بها المحكمة الجنائية الدولية، من شأنه أن يقود القيادة الفلسطينية الى إدارة دفة حملة تقديم المتسببين عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية للعدالة، بشكل غير كفؤ، وفاشل على أبسط تقدير


الثانية، هي أن إدارة مسار وحجم توقعات الجماهير الفلسطينية العريضة، والعربية معها، سيتحول رويداً رويداً الى بقعة متسعة من الرمال المتحركة، والتي من شأن الوقوع فيها أن يُغرق، والى زمن بعيد، الفرص التاريخية التي أتيحت في مجال العدالة الدولية.


روغم أن حديث السيد شعث تم في جلسة مغلقة مع الصحافيين والكُتاب، إلا أن ظهور افتراضات من النحو الذي ذهب اليه هو إشكالي. فالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، على سبيل المثال، لم يفتح تحقيقاً جنائياً الى غاية الآن، بل قام في 16 كانون الثاني عام 2015، بالمباشرة في اجراء “تحقيقات أولية” للوضع في فلسطين، وبما يضمنه ذلك القيام بعملية تفحص من أربع مراحل تشمل التقييم والتحقق والأهم هو تحديد قابلية الوضع للمحاكمة وأهلية المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الوضع القائم. والواقع أن لا معلومات تتوفر الآن عن طبيعة المراحل التي قطعتها التحقيقات الأولية اليت يقوم بها مكتب المدعي العام في المحكمة.


وفي 2 مارس/آذار الحالي، قال محمد اشتية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن فلسطين تخطط لـ “تقديم شكوى ضد إسرائيل تتضمن الجرائم التي وقعت خلال حرب غزة صيف العام 2013 وشقاً آخراً يتعلق بالنشاط الاستيطاني، بحس ما نشرته وكالة فرانس برس. إلا أن الأوساط الفلسطينية الرسمية، الحكومية وغير الحكومية منها، قالت خلال اليومين الماضيين بأن لا شكوى ستقدم عشية انضمام فلسطين للمحكمة. وأكد ذلك شعوان جبارين رئيس مؤسسة الحق الفلسطينية المشاركة في لجنة شكلتها السلطة الفلسطينية من مؤسسات اهلية وأكاديميين لجمع بيانات تدعم موضوع الشكوى الى المحكمة. وقال انه “لن تقدم اية شكوى جديدة الى المحكمة في بداية نيسان/ابريل وان الجانب الفلسطيني لا يزال في مرحلة جمع البيانات التي تدعم موضوع الشكوى”. بحسب ما نشرته فرانس 24 في خبرها يوم 28 مارس/آذار الحالي.


على الجانب الأكثر ايجابيةً، قد يعكس ذلك بدايةً لإدراك أن الطريق الى إدارة ملف المحكمة الجنائية الدولية ما زال في بدايته، وأن الكثير من الإعداد وبناء القدرات والأنشطة ما زال يلزم. إلا أن الجانب الأكثر سلبيةُ قد يحمل في طياته عودةً الى استخدام ملف المحكمة الجنائية الدولية كـ “فزاعة” تفاوضية في سياق العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، وربما دول الجوار أيضاً. وأكثر ما لفت الانتباه الى ذلك هو التصريحات التي أدلى بها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات عشية إعلان نتائج الانتخابات في إسرائيل، والتي أظهرت عودة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنجامين نتنياهو الى سدة الحكم، وربط فيها بين نصر الأخير و “تسريع” جهود الضغط على المحكمة الجنائية الدولية. وحملت هذه التعليقات مخاوف من أن القيادة الفلسطينية قد تهدف إلى استخدام ملف المحكمة الجنائية الدولية للضغط السياسي بدلا من السعي المشروع لإحقاق المُساءلة عن الجرائم الخطيرة التي ارتكبت على الأراضي الفلسطينية، وتحمل في طياتها الاستنتاج الضمني فيما إذا أنجبت انتخابات إسرائيل خياراً آخر، فإن القيادة الفلسطينية قد تعدل من مسار توجهها الى هذه المحكمة.


الكثير مما يجب عمله ماثلٌ أمام القيادة الفلسطينية، ومعها مؤسساتها، ومؤسسات العمل الأهلي وجمهور الحقوقيين. لكن من الخطأ، وخطأٌ تاريخي مجحف لا اصلاح له، تباطؤ هذه الجهود، وجريمةٌ لا مجال للتكفير عنها، إن لجأ أيُ أحد الى استخدام أداة العدالة الدولية الوحيدة المتاحة حالياً، كورقة ضغط سياسية أم تفاوضية، أم كلاهما معاً. العدالة، انتظرها الفلسطينيون دهراً، ولا يحق لأحد أن يُعكر مجراها.