ظهر هذا المقال على رايتس كيبل باللغة الإنجليزية في 5 مارس/آذار قبل مناسبة اليوم العالمي للمرأة، وأعيد نشره باللغة العربية اليوم
يُمثل يوم المرأة العالمي في 8 مارس/آذار فرصة أخرى لتناول بعض قصص النساء اللاتي لا يملكن ترف المشاركة في الأنشطة الاحتفالية ذات الصلة في جميع أنحاء العالم. وعلى وجه الخصوص، قصص النساء الشابات المسجونات بسبب آرائهن أو ببساطة بسبب مشاركتهن في النشاط السلمي، في إطار ما كان متعارفاً عليه باسم “المجال العام” في عهود مضت؛ وهو المجال الذي يبدو أنه استحال سجناً مفتوحاً في بلد مثل مصر.
تبلغ يارا سلام، المحامية المصرية، 28 عاماً من العمر، وصدف أنها تواجدت في المكان المناسب والوقت المناسب في 21 يونيو/حزيران من العام 2014، عندما تم القبض عليها من قبل شرطة بملابس مدنية، أثناء تظاهرة ضد قانون التظاهر سيئ السمعة، والمعروف إلى حد كبير باعتباره قانوناً لـ “منع للتظاهر”. ومنذ اعتقالها، مثلت يارا إلى جانب 22 متهماً آخر من زملائها أمام محكمة جنائية في 26 أكتوبر/تشرين أول 2014 وتلقى حينها كل منهم حكماً بالسجن لمدة ثلاث سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية. ووجهت ليارا وزملاؤها تهماً تتعلق بعرقلة الطريق وتخريب ممتلكات عامة في محيط منطقة الاحتجاج والإخلال بالنظام العام. وبقيت يارا في السجن منذ اعتقالها.
كان أول اتصال لي مع يارا، بالضبط في مثل هذه اليوم في الخامس من مارس/آذار 2012. وكانت يارا تعمل في ذلك الوقت منسقةً لبرنامج المدافعات عن حقوق الإنسان في مؤسسة نظرة للدراسات النسوية في القاهرة. ومن السخرية أن البرنامج الذي كانت تقوم يارا بإدارته، وبالنظر الى أين هي الآن، كان يتمحور حول تمكين مشاركة المرأة المصرية في الحياة العامة والمجال السياسي ومحاربة التمييز. والتقينا بعد ذلك بوقت قصير، عندما قمتُ بإدارة ورشة للمحامين وناشطين آخرين والمدافعين عن حقوق الإنسان استضافها البرنامج الذي تقوم يارا على إدارته. واستغرق الأمر مني ثلاث سنوات تقريباً، وإلى وقت قريب، لإدراك ماهية انطباعي عن يارا، ولقد وجدتُ تعبيراً واضحاً عنه في مقال صحفي في المصري اليوم في 26 يونيو/حزيران 2104، للكاتب حمدي رزق وحمل عنوان: “يارا سلام”.. وردة الفوضى الجميلة. وكان الكاتب في الواقع يشير إلى عنوان مجموعة شعرية لوالدها رفعت سلام.
وفي وقت لاحق من مارس/آذار 2103، علمت أن يارا تركت “نظرة” وفي وقت لاحق في السنة علمت أنها تعمل في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وأنها تشرف على ملف العدالة الانتقالية فيها. لكن ما فاتني معرفته في ذلك الوقت هو منحها درع المدافعين عن حقوق الانسان في شمال افريقيا لعام 2013 لعملها في مصر مع المنظمتين المذكورتين. وأعطى الفيديو التالي والذي تم نشره من قبل شبكة المدافعين الأفريقية لحقوق الإنسان، ليارا فرصةً، ليس فقط لتقديم سيرتها الذاتية والتعريف بنفسها، بل وكذلك للحديث عن التطلعات والآمال التي حفزت شابةً مثلها للعمل في الدفاع عن حقوق الإنسان وبشكل خاص حقوق المرأة والمساواة في بلدها.
اليوم، استمعتُ إلى حديث المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد والذي سبق مناسبة الثامن من مارس/آذار، وبالنسبة لي لم يكن من قبيل الصدفة أن كلمات التكريم التي توجه بها صوب النساء المدافعات عن حقوق الإنسان، تمثل تأكيداً واضحاً على ما نناقشه هنا. وكان المفوض قد قال: ينبغي للدول أن تمضي الى ما هو أبعد من ” تحريك الشفاه” نحو المساواة بين الجنسين. لكن ما هو واضح ان المشكلة تكمن في أن تلك الدول قد مضت فعلاً أبعد من ذلك، وأغلقت شفاه هاته النساء اللاتي تجرأن على العمل فيما تبقى من المجال العام في دول من مثل مصر. وفي عمر الـ 28 لم يعط النظام الاستبدادي يارا سلام أي خيار سوى السجن والحرمان من الحرية. ومن شأن استحضار قصة يارا التذكير بالعبء المضاعف الذي تنطوي عليه حكايتها؛ فكونها مدافعةً عن حقوق الآخرين، فلم يعطها ذلك فرصة للدفاع عن حقوها هي ذاتها في النزول للشارع، وبالتالي حقوق النساء الأخريات (والرجال) الذين يريدون فعل الشيء نفسه: أن يقولوا “لا” لقانون سيء.
وقد تنال يارا جائزة أخرى قريباً، وأنا دعمت بكل حماس ترشيح مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لها لنيل جائزة فرونت لاين للمدافعين عن حقوق الانسان. هل تحتاج الى جائزة وهي في السجن؟ أنا لا أعلم، ولكن أستطيع أن أفكر في أسباب كثيرة تجعل منها ومن زملائها في غاية السعادة لحصول ذلك. أتمنى أن تحصل على الجائزة وأن تستنشق نسيم الحرية قريبا. يارا ليست مجرمةً، ولكن النظام الذي يسجن من هم مثلها لممارستهم حريات أصيلة، هو من دون أدنى شك، نظامٌ يعتريه الفساد.