خلال الأسابيع الماضية، تنامى للمشهد الإخباري صورتين لطفلتين سوريتين، رفعتا فيهما أيديهما “استسلاماً” في مواجهة ما اعتقدت كلتاهما أنه “بندقية” بينما كانت الكاميرا تهم بالتقاط صورهما. وهنا؛ فيتوجب أن تتسع دائرة نقاش هذه الظاهرة على مستويات أكثر مبدئيةً وتنظيماً من مجرد النقاش العفوي.
ظهرت الصورة الأولى حينما قامت المصورة الصحافية الفلسطينية المقيمة في غزة، نادية أبو شعبان بوضع تغريدة على حسابها في تويتر يوم 24 مارس/آذار (أدناه) وأبرزت فيها صورة تم التقاطها من قبل المصور الصحفي التركي عثمان ساجيريلي في عام 2014 في مخيم اللاجئين عتمة على الحدود التركية-السورية.
photojournalist took this photo 4 Syrian child, thought he has a weapon not a camera so she Gave up ! #Surrended pic.twitter.com/bm1hOWQWJY
— Nadia AbuShaban (@NadiaAbuShaban) March 24, 2015
ونشرت البي بي سي قصة إخبارية (باللغة الإنجليزية) في يوم 31 مارس/آذار 2015 أكدت فيها أصالة الصورة الملتقطة وقيامها بالاتصال بالمصور الصحفي الذي التقط الصورة لتوضيح التفاصيل المتعلقة بها. ومن جانبه أكد المصور عثمان ساجيريلي أن الطفلة في الصورة تبلغ من العمر أربع سنوات واسمها هدى، وأنه قام بالتقاط الصورة في ديسمبر/كانون الاول عام 2014، موضحاً أن هدى قدمت الى مخيم اللاجئين مع والدتها واثنين من الأشقاء.
كما طفت الصورة الثانية على السطح الإخباري هذا الاسبوع فقط، عندما قالت صحيفة الديلي ميل أون لاين أن أحد عاملي الصليب الأحمر التقط صورةً أخرى لطفلة سورية ثانية قال بأنها “تملكها الخوف ورفعت يديها للاستسلام بعد ان ظنت كاميرته سلاحاً”. وتم التقاط هذه الصورة في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014 في مخيم للاجئين في الأردن.
الأطفال كائنات هشة وعرضة لكافة أنواع المخاطر. وفي حين تسنى لنا العلم بأن الطفلة في الصورة الأولى تدعى هدى وتبلغ من العمر أربع سنوات من العمر؛ ولا علم لنا بسن أو اسم الطفلة الأخرى في الصورة التي التقطها عامل الصليب الأحمر في مخيم للاجئين في الأردن؛ فإن سن الطفل قد لا يكون عاملاً حاسماً في جعله مؤهلاً لـ “الخوف” والقلق على نحو أقل أو أكثر من أطفال (وحتى بالغين) آخرين. الأطفال كائنات تتأثر بشكل بالغ بما رأوه وما شهدوه وما اختبروه من ظروف وأحداث. وهم أكثر هشاشة لأسباب كثيرة جدا، ولكن أبرزها عدم قدرتهم على التغلب على التجارب المأساوية التي مروا بها من دون الإسناد العاطفي والحماية الجسدية والرعاية والمساعدة الملائمة من قبل البالغين.
في غضون أربع سنوات، شهدت العديد من القرى والمدن السورية مجازر وقتل للمدنيين والإعدام خارج نطاق القانون. وظهرت روايات وأنباء لم تتوقف على مدار السنوات الأربع الماضية عن حوادث قتل جماعي للرجال والنساء، من جميع الأعمار، بالإضافة الى حوادث مروعة تم فيها ذبح الأطفال ذاتهم. وحفلت هذه الأحداث بمشاهد لرجال مسلحين يصوبون البنادق ويطلقون النار على الأم والأب والأخوات والإخوة قبل أن يستحيل هؤلاء إلى جثث هامدة ملقاة على الأرض في البيت، أو الشارع أو في أي مكان آخر: كل هذه الصور التقطتها أدمغة الأطفال الذين شهدوا أحداثها المروعة، وخزنتها على نحو مأساوي باعتبارها تلك اللحظات التي خسروا فيها، وإلى أبد الآبدين، صلة ثمينة بمن يحبون (ومن يحبهم).
هل كانت مفاجأة أن تتوافق اثنتين من الأطفال في الصورتين في رد الفعل على اقتراب رجل يحمل أداة في يده، من خلال اظهار الذعر الى الدرجة التي حملتهما على رفع اليدين فوق الرأس في علامة على الاستسلام؟ ربما لا، ولكن كان بإمكاننا أن نتصرف بشكل أفضل.
وفي حال كانت مبادرة اليونيسيف للحيلولة دون خسارة وفقدان جيل كامل من الأطفال في سوريا، تعني أننا فقدنا الفرصة لمعالجة الآثار المترتبة على الحرب على الأطفال في البلاد، أو أننا على وشك فقدان مثل هذه الفرصة، وبالتالي فقدان هذا الجيل، أم أننا فقدنا الاثنين؛ فيقع على عاتقنا، نحن المجتمع الأكثر اتساعاً من الإعلاميين وعمال الإغاثة والعاملين في مجال الحقوق وحتى المدونين المغردين، بعضٌ من المسؤولية الأخلاقية في الحدود الدنيا. فالأطفال المصابين بصدمات نفسية بحاجة إلى المساعدة والرعاية، وبينما لا يوجد أي مؤشر دقيق بشأن ما إذا كان تصويرهم (على سبيل المثال) قد يؤثر سلباً على احتمالات شفائهم من التجارب المرعبة التي مروا بها، إلا أننا بحاجة للتفكير بعمق وبمسؤولية بشأن كيفية تطبيق مبدأ “عدم إلحاق الضرر” كمساهمة بسيطة في الشفاء الفعال للأطفال الذين نكبت الحرب في سوريا منظومة نموهم السليم.