English

حكاية “ماهينور المصري” في تسلسل زمني إخباري


تم نشر هذا المقال في موقع زائد 18 يوم الخميس 14 مايو/نيسان 2015 على هذا الرابط


تسلمت المحامية ماهينور المصري، في 31 أكتوبر 2014، جائزة لودوفيك تراريو، وهي جائزة دولية سنوية تُعنى بتكريم محامين لجهودهم في الدفاع عن احترام حقوق الإنسان. وخلال مراسم تسليم الجائزة التي تمت في إيطاليا، قالت ماهينور إنها كانت أكثر حظا من آلاف ممن لم يلقوا الكثير من الاهتمام، ووقتها أعلنت ماهينور إهدائها الجائزة إلى عدد من سجناء قانون التظاهر منهم زملاؤها المتهمين في القضية التي أدينت فيها؛ بالإضافة إلى سناء سيف ويارا سلام والمتظاهرين المعتقلين في إطار قضية “أحداث الاتحادية”.


وقبل ذلك بقليل، وفي 19 أكتوبر/تشرين أول، تقدّمت ببلاغ إلى المحامي العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، اتهمت فيه وزير الداخلية ومدير أمن الإسكندرية، بالشروع في قتل طالب كلية الهندسة، عمر عبد الوهاب، خلال اقتحام قوات الأمن الكلية الأسبوع الذي سبق ذلك.


وفي 19 نوفمبر 2014، عادت السلطات المصرية إلى اعتقال ماهينور وعدد آخر من النشطاء واقتادتهم إلى قسم الرمل في الإسكندرية، بعد مشاركتهم بفعاليات لإحياء الذكرى الثالثة لمجزرة محمد محمود؛ أي بعد شهرين من الافراج عنها، في 22 سبتمبر 2014، في إطار القضية المقامة ضدها وعدد آخر من النشطاء بتهم خرق قانون “التظاهر”، وحيث قضت عقوبة بالحبس لمدة 6 أشهر، بعد تخفيف الحكم عليها، من الحبس لمدة عامين. ودخلت السجن على ذمة هذه القضية في 20 مايو/أيار 2014، وأعلنت بعدها إضرابا عن الطعام بهدف إسقاط قانون التظاهر.


ولدى إطلاق سراحها في 22 سبتمبر/أيلول 2014، قالت ماهينور، إن الحكم بإطلاق سراحها “مسيّس” مشددة على تضامنها مع زملائها الباقين في الحبس وعلى استمرارها في نشاطها المستقل.


في 20 يناير/كانون ثاني 2015، تقدمت، جنباً الى جنب مع عدد من المحامين، ببلاغ للمحامي العام الأول بالإسكندرية، ضد كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء ووزير الصحة، ومحافظ الإسكندرية –بصفتهم- بتهمة الإهمال، لاستخدام أكياس دم ملوثة في اختبار أكياس دم المتبرعين، مما من شأنه أن يجلب “كارثة طبية” على الآلاف من المصريين.


وفي التاسع من فبراير/شباط 2015، حكمت محكمة في مدينة الإسكندرية عليها وتسعة نشطاء آخرين، بالحبس سنتين وغرامة خمسة آلاف جنيه لكل منهم، في القضية المعروفة بأحداث قسم شرطة أول الرمل، والتي تعود أصولها إلى مارس/آذار من العام 2013 حين تقدم عدد من ضباط شرطة قسم الرمل أول، ببلاغات ضدهم لاتهامهم بمحاولة اقتحام القسم والتعدي على أفراده و”تكدير الأمن والسلم العام” خلال تظاهرة نظمها النشطاء للتضامن مع زملاء لهم محتجزين في القسم.


في التاسع من مارس/آذار 2015، شاركت في تنظيم وقفة احتجاجية على سلالم محكمة المنشية، بالإسكندرية، تنديدًا بمقتل المحامي “كريم حمدي” في قسم المطرية، والذي أظهرت الدلائل على تعرضه الى تعذيب أفضى الى قتله على يد أفراد الشرطة في القسم المذكور.


وفي 11 مايو/أيار من الأسبوع الحالي، قررت محكمة استئناف الإسكندرية حبس ماهينور المصري، والصحفي يوسف شعبان على ذمة قضية قسم الرمل إلى حين صدور الحكم عليها وآخرين في الجلسة المقررة يوم 31 مايو/أيار القادم. وتم على إثر ذلك ترحيلها لسجن دمنهور.


وبعد..


لا تكفي هذه العناوين الإخبارية لإجمال الأنشطة أو الأحداث التي ارتبطت بماهينور على مدار السنة الماضية، ولا حتى الشهور الماضية، ولا تكفي كذلك، لوضع صورة دقيقة للنضالات التي خاضتها هذه الناشطة –المحامية- ليس فقط على مستوى الدفاع عن الحريات السياسية، بل أيضا على صعيد حق الإنسان المصري في مجتمع قويم ورعاية صحية لائقة والحق في العدالة.


كما، لا يكفي استعراض هذا التسلسل الزمني، المبني أصلا على عناوين إخبارية قامت الصحافة المصرية بتناولها، لاختصار السياق العام والأعم للعذابات التي يمر بها الشباب المصري الساعي إلى منع عقارب الساعة من العودة للوراء، أو على الأقل، إيقاف جموح سرعتها في العودة إلى الوراء بشكل مطلق.


الآلاف من الشباب المعتقلين، لأسباب “سياسية” في سجون مصر، سيجدون في حكاية ماهينور تلخيصا مكثفا للمحنة التي قادتهم إلى هذا المكان – وهي في الحقيقة محنةٌ سياسية وسياساتية (بمعنى السياسات) ومجتمعية (بمعنى أفول الحاضنة الاجتماعية) ولوجيستية- مكانية (بمعنى تبخر المساحة المتاحة للفعل المستقل واستحالة بناء أجسام تنظيمية من شأنها الحد من هذا الاضمحلال). وهناك في السجون من الرموز الشبابية، ربما يفوقون ماهينور شهرة، وهذه ليست مشكلة بحد ذاتها.. المشكلة تتعلق بتلك الوجوه المنسية، أو التي لا نعرف عنها شيئا، والتي لا يتهددها النسيان فقط، بل في الواقع خطر التعرض لاضطهاد ما بعده اضطهاد، وتنكيل ليس لنا به علم، أو طاقة.


ماهينور تحمل نياشين الاعتقال في عهد الثلاثة رؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر في السنوات الأخيرة.. اعتقلها نظام مبارك، واعتقلها حكم مرسي، ومضى السيسي في ذات الطريق واعتقله،. وبهذه النياشين، بات طريقها واضح المعالم؛ في كل مرة يعتقلونها، تخرج لتقول: إحنا مكملين.. ليس نحو السجن، بل في النشاط والفاعلية لإقامة العدل، واسترداد الكرامة وتكريس بيئة من الحرية.