أعلن الاتحاد الدولي للصحافيين (والمعروف أيضاً باسم الفيديرالية الدولية للصحافيين) في وقت سابق من العام الحالي 2015، عن إطلاق ما أسماه بـ عملية تشاورية تهدف لتلقي وجهات نظر المختصين والمهتمين بمسألة تأسيس آلية إقليمية خاصة معنية بدعم حرية الاعلام في العالم العربي. وأشارت الوثائق التي وزعها الاتحاد أن هذه المشاورات هي جزءٌ من مشروع يحمل اسم “المبادرة الإقليمية الهادفة لتعزيز التزام الدول العربية بحرية الاعلام في المنطقة” والتي يقودها الاتحاد الدولي للصحفيين وبالتعاون مع اتحاد الصحفيين العرب، والمدعومة من قبل مشروع “ميدان” الممول من قبل الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الدولي للصحفيين، والحكومة النرويجية.
وتضمنت الوثائق التي وزعها الاتحاد الدولي للصحافيين وثيقتين أساسيتين، تحمل الأولى في طياتها مقترحاً تفصيلياً لمقترح لـ “الإعلان العربي لمبادئ حرية الإعلام” فيما تتناول الوثيقة الثانية إطاراً فنياً وتنظيمياً على نحو مُفصل لتأسيس “المقرر الخاص المعني بحرية الإعلام في الوطن العربي”.
ونصت الوثائق التي وزعها الاتحاد الدولي للصحافيين على أن نقابات الصحفيين، ومؤسسات وهيئات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، والمنظمات الدولية والاقليمية المهتمة بدعم حرية الاعلام والصحافة النوعية والحريات الأساسية؛ قد من ساهمت في دعم مبادرته المذكورة.
وعلى الصعيد الإجرائي المتعلق بعملية التشاور والمشاروات، فقد أخفقت مبادرة الاتحاد الدولي للصحافيين، في تحديد إطار “أصحاب المصلحة” والذين من شأنهم مشاركتهم وقيادتهم لعملية التشاور أن تجعل من المبادرة إطاراً موضوعياً يخدم أهداف حماية حرية الصحافة والإعلام في المنطقة العربية. وبشكل أساسي، أخفقت المبادرة في تمكين أصحاب المصلحة في المنطقة العربية من امتلاك زمام المبادرة وتقوية مضامينها على ضوء الوقائع السائدة في المنطقة.
أما على صعيد المضامين، وبالرغم من التثمين العالي للجهود التي بذلها الخبراء الدوليون في انجاز نص الوثيقتين المشار إليهما أعلاه، فمن الضروري تسجيل إخفاق هذه الجهود في ربط الممارسات والظروف السائدة في البيئة العربية الراهنة، بالمخرجات التي توصلوا اليها.
ويجب التأكيد على رفض وعدم قبول مبادرة الاتحاد الدولي للصحافيين، وشركائه، التي تنص على تأسيس منصب “المقرر الخاص المعني بحرية الإعلام في الوطن العربي” وبالتحديد بسبب اختيار هذه المبادرة لاقتراح تنصيب “المُقرر” ضمن الآليات العربية الرسمية، وأبرزها الجامعة العربية، وبسبب توصل المبادرة الى استنتاجات أقل ما يُقال عنها بأنها خاطئة، ومن ضمنها:
أولاً: افتراض أن الميثاق العربي لحقوق الانسان يُشكل اطاراً قانونياً حقيقياً لاسناد وظيفة هذا المقرر، في حين أن الميثاق لا يزال بعيداً عن الإيفاء بالمتطلبات الأساسية لضمان احترام حقوق الانسان، وفي وقت لم تصادق نصف الدول العربية عليه، وفي وقت لم تقم أي دولة عربية بتعديل أو موائمة تشريعاتها لتنسجم معه.
ثانياً: اعتبرت المبادرة أن اللجنة العربية لحقوق الانسان، والتابعة لجامعة الدول العربية، جهة “تضطلع بدور حقيقي في تعزيز وحماية حقوق الإنسان” في حين أنه لم يُسجل لغاية اللحظة أي انجاز يُذكر لهذه اللجنة، وفي وقت تفتقر اللجنة بشكل صارخ لاستقلال عن الهيئات السياسية والحكومية، بما في ذلك عضوية 3 موظفين حكوميين فيها على الأقل، من ضمنهم وزيرٌ على رأس عمله.
ثالثاً: تخرج المبادرة باستنتاج مفاده أن “تأسيس المقرر الخاص المعني بحرية الإعلام في الوطن العربي تحت إطار أجهزة الجامعة العربية هو أفضل خيار” بسبب تغطية كافة مناطق الوطن العربي، وهو افتراضٌ تدحضه الوقائع الميدانية والحافلة بالحروب وتنازع السلطة على المناطق الجغرافية بين الحكومات والجماعات المسلحة.
ويجب التأكيد على رفض وعدم قبول مبادرة الاتحاد الدولي للصحافيين، وشركائه، على قاعدة أن هذه الآلية، وفي إطار الوقائع التشريعية والقانونية والممارسات السياسية الراهنة والسائدة في المنطقة العربية، من شأنها أن توفر للحكومات أداةً إضافية لخنق حرية الصحافة والإعلام، وليس تعزيزها، في حين قد يتحول المقرر العام لحرية الصحافة الى “الرقيب العام” عليها.
ويجب رفض هذه المبادرة، بسبب إخفاقها لربط الحاجة الى آليات فاعلة، مع انعدام شبه مُطلق في آليات التظلم والشكاوى على المستوى العربي، على غرار المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان أو محكمة الشعوب الافريقة لحقوق الانسان. وأسهم إصرار حكومات الدول العربية على تفريغ مشروع المحكمة العربية لحقوق الانسان من مضامين الاستقلالية والمهنية الى جعلها أداة أخرى بيدها. وأبرز دليل على ذلك هو منح الحق للحكومات وحدها بتقديم الشكاوى ومنعه على الأفراد أو المجموعات الأخرى صاحبة المظالم.