تداولت وسائط التواصل الاجتماعي، وبعض الصحف الالكترونية، في مصر في مارس/آذار من العام الحالي 2016، خبراً وصورة، مفادهما قيام وزارة التعليم بحذف اسم وصورة المرشح الرئاسي السابق محمد البرادعي، من فقرة تستعرض أسماء الفائزين بجائزة نوبل المصريين في كتاب اللغة العربية للصف الخامس الابتدائي هذا العام. والخبر المنقول عن “التحرير” ليس سوى مصدراً واحداً لتأكيد صحته من ضمن مئات المصادر التي تناقلته.
ويتبوأ البرادعي مكاناً، ليس بالضرورة بارزاً، في صفوف المعارضين لسياسات حكم السيسي في العامين الأخيرين. ومن نافل القول أن “حادثة” شحطه خارج كتاب لتدريس الناشئة، ليس سوى امعاناً في الانتقام من مواقفه التي لا تنسجم مع الحكم.
لكن الانتقام من الخصوم السياسيين، والبطش بهم وتصفيتهم أحياناً، وحين يتخذ شكل محوهم وإزالة تذكارات وجودهم أو ما فعلوه، يتعدى كونه تكتيكاً سياسياً (فاسداً) للتنكيل بالخصوم، الى كونه عبثاً مقصوداً وعلى نحو جُرمي بذاكرة الأجيال القادمة، والحالي منها كذلك.
ويحفل الإعلام العربي على نحو واسع النطاق ببحوث تتناول الجهود المنهجية والمُنظمة التي دأبت الحركة الصهيونية على قيادتها لإزالة معالم الوجود الفلسطيني التاريخي في الأراضي الممتدة بين ساحل المتوسط ونهر الأردن. إلا أنها تفتقر، عن قصد أو دون قصد، الى تحقيقات في ما جرى العبث به، وطمسه، أو تغييبه من التاريخ وأحداثه في المنطقة العربية.
في عام 2035، سيكون طالب أو طالبة الابتدائي الذي لم تحتفظ ذاكرته/ا العقلية برصيد يذكُر، مثلاً، فوز البرادعي بجائزة نوبل؛ سيكون أو تكون غالباً في سن الثلاثين أو ما بعدها. وقد يكون أو تكون متزوجاً أو متزوجةً، وقد يكون لديهم أطفال والخ، وحين يروون ما ندعوه بالذكريات لأبنائهم، أو يعلمونه وينقلونه لآخرين في سياق مهني أو آخر، فإنهم في الواقع يستحضرون ما يعرفونه عن التاريخ. وهو هنا لا يتضمن هذه الواقعة. وهذا فعلياً هو الأثر بالغ الامتداد للتعليم الرسمي على المعرفة، ولا يمكن مقارنة أي جهود مستقلة وذاتية للتدقيق والتمحيص في التاريخ بضخامة القناة التعليمية الرسمية وتأثيرها على سلوك الأشخاص المعرفي.
وتلك حادثةٌ واحدة، وليست الأولى، وربما لن تكون الأخيرة في سياق عربي يتجه نحو تصفية “الآخر” وإزالة مظاهر الاعتراض والتعبير بما لا يتفق مع أنماط الحكم السائد أو أنماط التفكير المجتمعي المهيمنة (دينياً وعقائدياً وطائفياً على سبيل المثال).
العبث بالماضي يعني العبث بالمستقبل. لا تأثير نعرفه عن طمس الحقائق التاريخية على حركة الماضي، اذا انه حصل بالفعل، ولا نملك دليلاً على إمكانية تغييره. لكن تغييره والعبث به وتسويد صفحاته أو إعادة كتابتها على نحو مغاير، سيعني بالضرورة عبثاً بما سيحصل لاحقاً، والنتائج، أو بعضها بات معروفاً وتشمل مشاكل الهوية، الاحتقان المجتمعي، نمو الفساد (بدلاً من اضمحلاله)، الإفلات من العقاب، صعود الديكتاتوريات وتوارثها، والى آخر ما في السطر من فظائع.
قدمتُ هنا مثالاً واحداُ بسيطاً على العبث بالتاريخ، وأعتقد أن لديكم الكثير من الأمثلة