Arabic تـعـلـيـق

فادي القاضي |مقال كل يوم | الرأي العام العربي هو مجرد "رتويت" و "لايك"

تتجه أنظار سكان القارة الأوروبية، ومعهم قادتها السياسيون والاقتصاديون، الى الثالث والعشرين من يونيو/حزيران القادم، حين يضع البريطانيون في صناديق الاستفتاء اجابةً على سؤال واحد لا غير له: هل يتوجب على بريطانيا الانسحاب من عضوية الاتحاد الأوروبي أم البقاء فيه؟

وهذا سؤالٌ جللٌ من شأن مصير اجابته تحديد المسار الاقتصادي والاجتماعي لبلد عريق مثل بريطانيا، ومعها الكتلة الأوروبية التي أمضت السنوات العشر الماضية في إنفاذ مشروع للتوسع في عضوية الاتحاد. لكن السؤال بحد ذاته يطرحُ مسألة قد نعتقدُ بداهةً أن لها علاقة، فقط، بمسألة الديمقراطية. وهي وان كانت بالفعل كذلك، وان كان توجه صانع القرار في هذه الدولة العريقة قد اختار أن يترك مسألة حاسمة كهذه للجمهور، فهي برأيي مسألةٌ تتعلق بشكل أساسي بالحق في تقرير المصير، وحماية هذا الحق من قبل الدولة، وعلى اعتبار جوهري مفاده أن الحكومة هي مجرد أداة لادارة شؤون الدولة، لا غير.

وهنا نختلف جذرياً مع الاخوة الأوروبيين في مفهوم الدولة، وهو اختلافٌ ينعكس جلياً في اطار ونظام العلاقات التي تربط دولنا بدولهم، على سبيل المثال. فبالنسبة للأوروبيين “الدولة” هي إطارٌ من ملكية الجمهور للموارد والمصادر في نطاق جغرافي معين، وبما يعني ذلك مُلكية الجمهور للدولة. لكن هنا، الدولة، إن وُجدت حتى ضمن هذا التعريف البسيط، فهي الرديف الموضوعي لـ “الحكومة” وبما يعني تلقائياً ملكية الحكومة لموارد الدولة، وصياغة القرارات التي تتجاوز مجرد إدارة الدولة، الى تقرير مصير الدولة وقاطنيها.

الاستفتاء هو شكلٌ من أشكال إعادة القرار الى صاحبه فيما يتعلق بالمسائل الحاسمة والتي من شأنها التأثير، سلباً وايجاباً، على مصالح الجمهور، بالرغم من أنه (أي الاستفتاء) مُصممٌ على أسس ديمقراطية، بمعنى احتكامه الى قاعدة الأغلبية والأقلية. لكنه مجرد وسيلة في نهاية المطاف.

أما في عواصم المنطقة العربية، وعلى الأقل في آخر خمس سنوات، فقد اتخذت الدولة/الحكومة قرارات تتعلق بشن الحروب، والتنازل عن أراض، وصرفاً لأموال وقدرات الخزائن بالمليارات، وتخطيطاً “استراتيجياً” لمسار النمو الاقتصادي والاجتماعي على نحو يصب في مصالح القوى المتنفذة، وغيرت من شكل الحكم، وعدلت وبدلت بينما ينزوي الجمهور (أي صاحب القرار نظرياً) في زاوية ما من المنزل أو المقهى أو مكان العمل حالماً بيوم عطلة.

الذنب ليس ذنب الجمهور، فلم يتم تمكينه من اثبات ملكيته للدولة، ولم يتم حماية حقه في تقرير مصيره. وفي الوضع الراهن، لا يرى الحاكم/المالك في ملكية الرأي العام (الجمهور) لدولته أكثر من حرية هذا الجمهور في “الرتويت” على تويتر أو “لايك” على فيسبوك.