ورقة موقف
تتوفر الورقة بصيغة Word هنا
1. مدخل
1.1. وجهت الورقة النقاشية السادسة التي أطلقها الملك عبد الله الثاني في السادس عشر من شهر تشرين أول الحالي رسالة في غاية الأهمية لأجهزة الدولة ومؤسسات الحكم، مفادها أن مرجعية القرار الحكومي والإداري في البلاد، تكمن في “التطبيق الدقيق لمواد القانون” مشددةً على أن “سيادة القانون تضمن ممارسة أجهزة الدولة لسلطاتها وفق الدستور والقانون” في حين أكدت على أنه “لا يمكن لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان أن تعمل خارج هذا الإطار”.
1.2. ويُشكلُ الاهتمام الملكي بمسألة سيادة القانون والمبادئ التي يقوم عليها، فرصةً للتدقيق في أهم الإشكاليات التي تعترض سبيل استتبابه في الأردن.
1.3. وتسعى ورقة الموقف التحليلية هذه الى ابراز هذه الإشكاليات وربطها بالممارسات الحكومية السائدة، في الوقت الذي تحاول فيه أن تقدم لصانعي القرار والمتابعين والجمهور العام عدداً من التوصيات التي تسهم في تعزيز اطار سيادة القانون واحترامه. ويُشكلُ القانون الدولي لحقوق الانسان المصدر الأساسي للمراجعة التحليلية التي تقدمها هذه الورقة.
2. سيادة القانون شرطٌ أساسي لاحترام وحماية حقوق الانسان
2.1. تنبع كفالة واحترام حقوق الانسان من القانون، وبموجبه.
2.2. وحماية وانفاذ الحقوق الإنسانية واجباتٌ ملقاة على عاتق الدولة، لا غيرها.
2.3. وتتم كفالة الحق الإنساني من خلال تطبيق قوانين علنية تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
2.4. ويجب أن يكون الإطار الذي يتم الاحتكام اليه في انفاذ الحقوق والمطالبة بها مستنداً حصراً الى القانون، وحده لا غير.
2.5. وعلى إطار التطبيق القانوني أن ينص على المساواة والمسؤولية أمام القانون، والعدل في تطبيقه، والفصل بين السلطات، وتجنب التعسف، والشفافية والنزاهة في الإجراءات القانونية المُتخذة.
2.6. ويتوجب على الإطار القانوني أن يوفر فرصاً للانصاف والمُساءلة في كافة الإجراءات المتعلقة بإنفاذ التشريعات وتطبيقها.
3. التغول على سيادة القانون
3.1. تشكلُ الإجراءات التعسفية التحدي الأبرز والأكثر تقويضاً لمبادئ سيادة القانون. ويُقصدُ بالتعسف في هذا المقام، وفي أي مقام متعلق بالقانون الدولي لحقوق الانسان الذي يتعاقد الأردن في اطاره؛ اتخاذ الدولة، ومن يقوم مقامها من أجهزة وادارات وأفراد، إجراءات تخالف القانون فتغدو فاقدةً لصفة المشروعية.
3.2. ويُعدُ سن التشريعات على نحو يتضمن اهداراً لمباديء سيادة القانون أحد الأشكال التي يتم من خلالها وضع قيود على الحقوق والحريات دون مبرر بحسب المعايير الدولية. وقد يتخذ هذا النهج أشكالاً عدة، لعل من أبرزها؛ سن تشريعات تناقض في أحكامها مبادئ الدستور وبعض أحكامه التفصيلية، هذا فضلاً عن مخالفتها للمواثيق الدولية ذات العلاقة، والمثال البارز على مثل هذا النهج في الأردن يتجسد في قانون منع الجرائم الذي يمنح الأفراد السلطة التنفيذية “الحاكم الإداري” صلاحيات قضائية، الأمر الذي يشكل خرقاً واضحاً لمبدأ الفصل بين السلطات، يضاف إلى ذلك النصوص الفضفاضة في هذا القانون التي من شأنها أن تجعل التوقيف والحرمان من الحرية مسألةً تقديريةً بعيدةً عن الرقابة الكاملة للقضاء.
3.3. ويُشكلُ التوسعُ في اتاحة استخدام السلطة التقديرية الممنوحة لموظفي الدولة تحدياً بارزاً لمباديء سيادة القانون، خاصة وأنها تُمارسُ دون بيان الأسباب الموجبة الامر الذي يعزز الانتقائية ويُغذي بيئة خصبة للفساد.
3.4. ويُشكلُ الإفلات من العقاب، بما يعنيه ذلك من غياب مقصود أم غير مقصود للمُساءلة والمحاسبة، أحد أشكال التغول على سيادة القانون لما يوفره من حصانة ضمنية واقعية لمُرتكبي المخالفات والانتهاكات وبما يؤسس لتسامح رسمي ضمني مع مبدأ الانتهاك. وقد يكون مرجع الإفلات من العقاب في كثير من الحالات نص القانون نفسه الذي يتيح لمرتكب المخالفة إمكانيات تخوله التخلص من العقوبة بموجب ظروف ومبررات مردها العادات والتقاليد، وبما يُخالف جوهر المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ومن أمثلة ذلك نص المادة (308) من قانون العقوبات التي تمنح الجاني إمكانية الإفلات من العقاب على ما يقترفه من جرائم الاغتصاب أو هتك العرض بمجرد إبرام عقد الزواج ضمن الشروط التي حددها القانون، كما أن بعض الممارسات التي تقوم بها أجهزة إنفاذ القانون خصوصاً التعاطي مع بعض القضايا بمنهجية الأعراف والعادات العشائرية مثل “العطوة” و “الصلحة”؛ من شأنها أن تكرس اتجاهاً يرسخ في الوجدان والضمير الجمعي غلبة تلك العادات والتقاليد على سيادة القانون وسموه.
3.5. كما من شأن غياب العلنية والإفصاح، في أي من مجريات اتخاذ القرار الحكومي، أن يُهدر المباديء التي تقوم عليها سيادة القانون.
3.6. ومن شأن الاخلال بأسس المحاكمات العادلة، وكفالة أن يمثل المتهمون أمام قاضيهم الطبيعي أن تقوض مبادئ سيادة القانون. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن ثمة تشريعات تضفي صفة المشروعية على جعل المحاكمات المتعلقة بالمدنيين ذات طابع عسكري استثنائي، فالنصوص الخاصة بـ”منع الإرهاب” سواء في قانون العقوبات أو في قانون منع الإرهاب؛ تحيل الاختصاص في العديد من الأفعال إلى محكمة أمن الدولة، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تلك النصوص تتسم في جلها بالعمومية والالتباس بحيث يغدو معها مجرد التعبير عن الرأي في كثير من الحالات جريمة إرهاب يمثل مرتكبها أمام محكمة خاصة؛ تتضح درجة خطورة الدور الذي تلعبه التشريعات في إهدار مبدأ سيادة القانون، في الوقت الذي كان يفترض معه أن يكون القانون مصدر سيادته وأن تكون الإجراءات السليمة المتوافقة معه ترجمةً لمبدأ السيادة.
4. الإشكاليات القائمة
4.1. المسائل المتعلقة بحرية الأفراد وسلب الحرية؛ ومنها التوقيف الإداري، مثلاً وليس حصراً، والذي يتم وفقاً الذي يتم وفقاً لقانون منع الجرائم بما يمنح الحاكم الإداري سلطات تنفيذية وقضائية في آن واحد. والإجراءات المتخذة في هذا الإطار ترقى لمصاف الإجراءات التعسفية والإجراءات المرتبطة باتساع نطاق السلطة التقديرية الممنوحة لموظفي الدولة على نحو يُهدر الضمانات القانونية بالحق في إجراءات قانونية سليمة وعادلة لحجز الحرية ومنها معرفة التهم الموجهة، وتوجيه التهم، والاتصال بمحام، والعرض على المحكمة خلال فترة قانونية محددة، والحبس بناءً على صدور حكم بالإدانة.
4.2. المسائل المتعلقة باستخدام الصلاحيات الإدارية على نحو يُخالف القانون من دون مُساءلة، ومنها مثلاً تكرر منع الاجتماعات العامة من دون وجه حق، وبما لا يُجيزه القانون.
4.3. المسائل المتعلقة بسن تشريعات تهدر مبدأ سيادة القانون، ومنها مثلاً قانون منع الجرائم، والذي يقوم أساساً على التعارض مع مبدأ سيادة القانون، باعطائه شرعيةً لنظام (أو قانون) خارج منظومة تطبيق القانون المعمول بها في الدولة، وبالتالي يُهدر كافة الضمانات (القانونية) المتاحة ضمن هذه المنظومة، وأقلها، مثلاً، الحق في محاكمة عادلة. ويندرج هنا كذلك صدور التعليمات والأنظمة التنفيذية بما يُخالف القوانين التي صدرت بموجبها.
4.4. المسائل المتعلقة بالتوسع في منح السلطة التقديرية، وتنعكس بشكل أساسي في غياب أحكام مكتوبة ومدونة وعلنية تحدد إطار اتخاذ الإجراءات المتخذة، في مسائل تتعلق بإنفاذ القانون، تقلل من الاعتماد على تقديرات الموظف العام.
5. التوصيات
5.1. إصدار تعليمات من قبل رئاسة الحكومة تقضي بالمنع المطلق لاتخاذ أي اجراء تنفيذي من قبل أي موظف عام، ويشمل ذلك موظفي الأجهزة الأمنية، ما لم يكن الإجراء مستنداً إلى نص قانوني مكتوب، وإخضاع أي أمر أو اجراء تنفيذي صدر من دون سند قانوني للمُساءلة والمحاسبة في اطار الإجراءات التأديبية المعمول بها؛
5.2. ومن قبيل منع التعسف وتشجيع نهج قائم على العلنية والإفصاح والشفافية، فيجب الحد من إصدار قرارات حظر النشر في القضايا المنظورة على أن يكون أي قرار لحظر النشر في قضية ما يخدم أغراضاً محددةً بعينها، وفي أضيق إطار ممكن، وبما يتوافق مع المبررات التي يُجيزها القانون الدولي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام
أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم؛
5.3. أن تطلب الحكومة حصراً وبشكل واضح ومن دون لبس قيام ديوان الرأي والتشريع باعتماد اتفاقيات حقوق الإنسان والعهود والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن بوصفها مرجعيةً أولية في إعداد مسودات التشريعات والقوانين، بما يضمن تجنب أي شكل من أشكال التمييز أو التسامح، صراحةً أو ضمناً، مع أي انتهاك لحقوق الإنسان؛
5.4. التشريعات الإجرائية تحتاج الى مراجعة فيما يتعلق بطيلة مدة التقاضي لكون هذه الإجراءات تتسبب بشكل كبير في عزوف الأفراد عن اللجوء الى النظام القضائي، وبما يُشجع استخدام وسائل لحل النزاع خارج اطار النظام القضائي، وعلى الحكومة تبسيط الإجراءات الخاصة بالتقاضي المدني والجزائي وحتى التجاري.
5.5. أن تضمن الحكومة الدور الأساسي للمركز الوطني لحقوق الإنسان وفقاً لمبادئ باريس بحيث يُشكل آليةً وطنيةً لرصد الانتهاكات الخاصة بالأفراد أو بالمؤسسات والمنظمات غير الحكومية؛
5.6. قيام الحكومة بتعزيز دور أجهزة الرقابة الداخلية في الجهات الحكومية وإعادة هيكلتها بحيث تكون عاملاً معززاً لمتابعة تنفيذ القانون بشفافية وإنصاف؛
5.7. تهيئة البيئة التشريعية والإجرائية على نحو يتيح لمنظمات المجتمع المدني بممارسة دورها الرقابي على حالة حقوق الإنسان ورصد الانتهاكات بمختلف أشكالها ومراقبة نفاذ وإنفاذ القانون.
الفريق الوطني المستقل لحقوق الإنسان
مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين المعنيين بالمشاركة بشكل تطوعي في رسم وتطوير سياسات وطنية تقوم على احترام وحماية حقوق الانسان في الأردنأعضاء الفريق
د. مهند العزة
د. أيمن هلسا
فادي القاضيعناوين اتصال
jorightsexperts@rightscable.com
Comments are closed.