Arabic الفريق الوطني لحقوق الانسان الأردن

الأردن ليس بحاجة لقانون لمكافحة "خطاب الكراهية"

ورقة موقف

الفريق الوطني المستقل لحقوق الإنسان

9 يناير/كانون ثاني 2017

  1. مقدمة

1.1. تشير القراءة الظاهرة للإرادة السياسية في الأردن إلى أنّ هناك توجهاً بدأت إرهاصاته منذ عام 2011 مع تشكيل وعمل لجنة الحوار الوطني ومن ثم التعديلات الدستورية؛ ينحو إلى تعزيز الحريات العامة ومنح مساحات واسعة للحق في التعبير وحرية الرأي؛

1.2. كان التوقع وطبيعة الأمور تقتضي عقب ظهور هذا التوجه أن يتم ترجمته من خلال مراجعة التشريعات الوطنية الناظمة للحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، انسجاماً مع نصوص الشرعة الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن ونشرها في الجريدة الرسمية لتغدو جزءً من منظومة التشريع الوطني واجب التطبيق؛

1.3. إلا أن الحكومة قامت من خلال مجلس الأمة منذ عام 2011 وحتى نهاية الدورة العادية للمجلس السابع عشر في منتصف العام الماضي/2016؛ بتمرير حزمة من القوانين الإجرائية والجزائية التي انطوت على أحكام مقيّدة للحريات خصوصاً حرية الرأي والحق في التعبير والوصول إلى المعلومات والحصول عليها، بحجة محاربة التطرف والإرهاب؛

1.4. جاء تصريح الناطق باسم الحكومة يوم الخميس الموافق 5 كانون الثاني/ياناير 2017 حول اعتزام الحكومة اقتراح مشروع قانون “لمكافحة خطاب الكراهية”، ليؤكد مخاوف المدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة والعملين في حقل الإعلام بوجه عام؛ حول قيام الحكومة باستغلال الظرف السياسي والأمني المضطرب في المنطقة والذي طال الأردن نصيب منه من خلال ما تعرض له من هجمات إرهابية، هذا فضلاً عن بعض ردات فعل بعض المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي على أحداث بعينها مثل اغتيال الكاتب ناهض حتر في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، وذلك لفرض المزيد من القيود على الحق في التعبير بحجة محاربة خطاب الكراهية.

  1. خطاب الكراهية في الشرعة الدولية وأدبيات حقوق الإنسان، حقائق ومعايير

2.1. لم تستخدم الفقرة الثانية من المادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مصطلح “خطاب الكراهية” بحرفيته، لكنّها وضعت مجموعةً من الضوابط والمعايير التي يجب على الدول الأطراف الأخذ بها وهي بصدد سن تشريعاتها الخاصة بجرائم أو خطاب الكراهية، بحيث تكون الغاية الرئيسية من هذه التشريعات حماية الحق في التعبير وعدم النيل من أي شخص بسبب آرائه أو معتقداته أو انتمائه العرقي أو القومي أو غيره؛

2.2. يستخلص فقهاء القانون وخبراء حقوق الإنسان العناصر الأساسية الآتية لتتشكل حالة من خطاب الكراهية وفقاً لهذا النص:

  • وجود دعوة تحضُ على الكراهية وتُفضي إلى حالة من التحريض لإرتكاب العنف أو ممارسة التمييز أو مُناصبة العداء ضد شخص أو مجموعة؛
  • أن يكون مبعث دعوة الكراهية إنتماء الآخر إلى عرق أو قومية أو ديانة معينة؛
  • أن تنشأ علاقة سببية ملموسة بين حالة التحريض أو ما قد ينجم عنها من أفعال تمييز أو عداء أو عنف، وبين الدعوة إلى الكراهية.

2.3. يجمع الفقهاء الدوليون وخبراء حقوق الإنسان على أنّ خطاب الكراهية المنصوص عليه في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية مرتبط بصفة أساسية بالحق في التعبير الوارد في المادة (19) من هذا العهد، الأمر الذي أكدته لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في تعليقها العام رقم (11) الصادر عام 1983، كما أكدت المحكمة الأروبية لحقوق الإنسان المبدأ ذاته حينما ربطت في جملة أحكامها بين خطاب الكراهية والحق في التعبير المنصوص عليه في المادة (14) من الاتفاقية الأروبية لحقوق الإنسان؛

2.4. جوهر مكافحة خطاب الكراهية إذن هو كفالة التمتع بحقوق الإنسان وممارسة الحريات، خصوصاً حرية إبداء الرأي والحق في التعبير دون أي شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء.

  1. محاذير تبني قانون لمكافحة خطاب الكراهية في الأردن

3.1. إنّ منهجية التصدّي للظواهر السلوكية أياً كان نوعها بتشريع خاص، تبدو منهجية قاصرة لكونها تتعاطى مع الأثر الملموس والمرفوض للظاهرة، بدلاً من معالجة جذرها وحقيقة بواعثها، من هنا، فإنّ ما تراه الحكومة من “ازدياد في خطاب الكراهية” على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يمكن معالجته بأحكام توسّع من الأوصاف الجرمية وتغلّظ العقوبات، وإنّما ينبغي تحليل أسبابه أالعميقة الكامنة في حالة الإحباط التي تستشعرها شريحة واسعة من المجتمع خصوصاً الشباب نتيجةً لتردي الأوضاع الاقتصادية وتجميد عملية الإصلاح السياسي؛

3.2. إنّ ظاهرة التحريض على العداء أو التمييز أو العنف على أساس الرأي السياسي أو الفكري أو الانتماء الديني أو المذهبي التي سادت مؤخرّاً الفضاء الافتراضي والواقعي في الأردن؛ مردّها غياب حرية الرأي وتقييد الحق في التعبير، ومن ثم تجذّر ثقافة إقصائية تُشيطِن المخالف وتضعه في خانة “أعداء الوطن”، وعلاج هذه الظاهرة يكمن في إزالة القيود التشريعية والأمنية عن الحق في التعبير وحرية الرأي وحمايتهما من افتئات السلطات والأفراد بحجج أيديولوجية أو اجتماعية أو سياسية، وليس بإثقال كاهل المجتمع بقانون جديد يقضي على المتنفس الصغير المتبقي للتعبير عن الرأي؛

3.3. تحفل منظومة التشريعات في الأردن بأحكام قاسية جداً عزّ نظيرها في دول كثيرة، تنزل بحرية التعبير منزلةً لا تليق بهذا البلد ولا بمواطنيه وتتعارض بالكامل مع التزامات الأردن الدولية الناشئة عن المصادقة على مواثيق الشرعة الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان الرئيسية، ومن أمثلة ذلك:

  • الفقرة (ب) من المادة (3) من القانون المعدل لقانون منع الإرهاب رقم 18 لسنة 2014 التي تنص صراحةً على اعتبار (القيام بأي عمل من شأنه تعكير صلات المملكة بدولة أجنبية) جريمة إرهاب يعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة والتي قد تصل إلى الحبس 15 سنة! وقد سُجِلّت حالات اعتقال صحفيين وناشطين وكاد أن يُحال أحد أعضاء مجلس النواب إلى محكمة أمن الدولة تحت طائلة هذا النص لمجرد أنّهم عبّروا عن آرائهم في سياسات بعض الدول التي منها من انتهك وما يزال حقوق وحريات مواطنين أردنيين؛
  • المادة (150) من قانون العقوبات النافذ التي تجرّم (كل كتابة وخطاب وعمل يقصد منه او ينتج عنه إثارة النعرات المذهبية او العنصرية او الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الامة…)، فهذه المادة تتضمن توصيفات غامضة وواسعة تكاد تشمل كل أشكال التعبير عن الرأي لتجعل منها جريمةً معاقباً عليها إذا انطوت على عناصر أكثر عموميةً وغموضاً مثل: “إثارة النعرات” وإثارة النزاع” بين عناصر الأمة والطوائف والمذاهب)، إنّ من شأن إطلاق النصوص الجنائية على هذا النحو من العموم والتوسع، أن يجعل منها أداةً لشرعنة انتهاك الحق في التعبير عوضاً عن حمايته؛
  • المادة (278) من قانون العقوبات التي تجعل من (نشر صورة أو كتابة أو التفوّه بكلمات من شأنها إهانة الشعور الديني أو المعتقد لشخص ما) جريمةً يعاقب مرتكبها بالحبس. وهذه المادة بدورها تطلّق جملةً من القيود على حرية التعبير سواءً كان بالكتابة أو الرسم أو حتى بالكلمة، وذلك بناءً على ما يراه الآخر بأنه يشكل “إهانةً لشعوره الديني أو لمعتقده”، ومع خلو هذا النص وغيره من ضوابط ومعايير تحدد مضامين هذه التوصيفات، فإنّ الصفة الغالبة عليها تظل العموم والتوسع، الأمر الذي يخالف أبجديات التشريع الجنائي وفقاً للمُستَقَر عليها فقهاً وقضاء؛

لا يبدو مفهوماً مع وجود هذه التخمة التشريعية المُقيّدة لحرية الرأي والحق في التعبير، حاجة الحكومة لتشريع خاص لمكافحة خطاب الكراهية كما تطرحه الحكومة.

3.4. إنّ الدول التي لها باع عريق في تشريعات مكافحة خطاب الكراهية وجانب كبير من الفقه والقضاء المقارن، يقرّون بصعوبة تحديد بعض المفاهيم القانونية في هذا المجال، إذ تختلف وجهات النظر والتأويلات في تعريف: ماهيّة الخطاب، ومتى يكون داعياً للكراهية، وما هي الكراهية المقصودة؟ ثم ما هو شكل التحريض الذي يجب أن تفضي إليه دعوة الكراهية…؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن المعيار المُتبنى في التفسير في هذه الدول يستند دائماً إلى فلسفة قوانين مكافحة خطاب الكراهية التي جوهرها حماية الحق في التعبير. في المقابل، فإنّ ما تسوقه الحكومة من مبررات لاقتراح قانون لمكافحة خطاب الكراهية ليس مرجعها حماية الحق في التعبير،وإنما الغرض المعلن منه هو تقييد هذا الحق تحت ذرائع وتوصيفات مختلفة، ومع الأخذ بعين الاعتبار السمة العامة لقوانين مكافحة الكراهية، والمتمثلة بالغموض والتباين في التفسير، فإنّه يبدو واضحاً خطورة تبني مثل هذا القانون الذي لا تترك له منظومة التشريعات النافذة محلاً للتطبيق لكثرة ما تتضمنه من أحكام وقيود وتدابير تجعل من كل شاردة وواردة في مجال الحق في التعبير ممارسةً قابلةً للتجريم والعقاب..

3.5. إنّ حادثة اغتيال الكاتب الراحل ناهض حتر تشكّل مثالاً واضحاً على خطورة استخدام الأدوات التشريعية المقيّدة لحرية التعبير على نحو متعسف، حيث أنّ من بادر باعتقال الكاتب الراحل وإثارة الرأي العام ضده هو السلطة التنفيذية استناداً إلى قانون منع الجرائم وأحالته إلى مدعي عام محكمة أمن الدولة بناءً على نصوص قانون العقوبات الخاصة ب”إثارة النعرات”، في حين كانت العدالة الجنائية تقتضي أن يتم حماية الكاتب الراحل من “خطاب الكراهية والتحريض” بسبب قيامه بالتعبير عن رأيه، فلا يبدو مفهوماً على الإطلاق كيف يكتسب نشر الكاتب لصورة اعتبرت مُسيئةً للشعور الديني؛ بمثابة فعل من شأنه إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية؟

  1. توصيات

 بناءً على ما تقدم، فإنّه يتوجب على الحكومة القيام بما يلي:

4.1. صدور قرار من مجلس الوزراء بوقف عملية تبني مشروع قانون مكافحة خطاب الكراهية والإيعاز إلى ديوان التشريع بإنهاء العمل عليه فوراً؛

صدور قرار من مجلس الوزراء بصياغة مشروع قانون معدّل لقانون منع الإرهاب،وتكليف ديوان التشريع والرأي بصياغة تعديلات إضافية على مشروع تعديل قانون العقوبات المُحال إلى مجلس النواب، وذلك لتعديل النصوص الواردة في هذا القانون التي تجرّم الحق في التعبير عن الرأي من خلال أحكام فضفاضة غير منضبطة تتعلق ب”إثارة النعرات” و”إهانة الشعور الديني والمعتقد” وغيرها من التوصيفات غير المنضبطة التي تنال من الحق في التعبير، ووضع ضوابط تنسجم مع المعايير الدولية 4.2. التي تكفل الحماية من الإساءة والعنف، وفي الوقت نفسه تضمن نطاقاً واسعاً للأفراد من حرية الرأي. كما ينبغي على مجلس الوزراء اتخاذ قرار فوري بإعداد مشروع قانون معدّل لقانون المطبوعات والنشر للتخفيف من القيود الإجرائية والأحكام الموضوعية التي سلبت المواطنين والصحفيين/ات والناشطين/ات والمبدعين/ات حقهم المشروع في التعبير عن آرائهم وأفكارهم وتوجهاتهم؛

4.3. إنشاء آلية وطنية مستقلة تحت اسم “المفوض العام لشؤون حرية التعبير” لتوثيق الانتهاكات الخاصة بحرية الرأي والتعبير، والأفعال التحريضية الحاضة على التمييز أو العنف بسبب الآراء أو المعتقدات أو الانتماء العرقي أو السياسي أو النوع الاجتماعي أو غيرها، مع وجوب اسناد وظيفة المفوض العام بحزمةً من الإجراءات والصلاحيات الصريحة، للتحقيق في الانتهاكات التي يتم توثيقها ومتابعتها وإحالتها إلى هيئات قضائية متخصصة يتم تأهيلها لهذه الغاية، على أن يرفع المفوض العام تقاريره الى الملك، والبرلمان (بمجلسيه)، ورئيس المجلس القضائي.

إعداد الحكومة لخطة إجرائية واضحة بالشراكة الكاملة مع منظمات المجتمع المدني المتخصصة في مجال حقوق الإنسان، وذلك بغرض تعزيز دور المنظومة الإعلامية 4.4. في نشر ثقافة التنوع وحقوق الإنسان والحق في التعبير من خلال تطبيق المحاور ذات الصلة الواردة في الخطة الوطنية لحقوق الإنسان ورؤية الأردن 2025 والخطة الإستراتيجية للموارد البشرية.

الفريق الوطني المستقل لحقوق الإنسان
مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين المعنيين بالمشاركة بشكل تطوعي في رسم وتطوير سياسات وطنية تقوم على احترام وحماية حقوق الانسان في الأردن

أعضاء الفريق
د. مهند العزة
د. أيمن هلسا
فادي القاضي

عناوين اتصال

jorightsexperts@rightscable.com